لطالما أخدت المشاكل المرتبطة بالكراء حصة الأسد من القضايا الرائجة أمام المحاكم المغربية، فعلى سبيل المثال حالات للكراء في الدار البيضاء.
لطالما أخدت المشاكل المرتبطة بالكراء حصة الأسد من القضايا الرائجة أمام المحاكم المغربية، فعلى سبيل المثال حالات للكراء في الدار البيضاء، التي تعتبر من المدن المغربية الأكثر رواجا في قطاع الكراء ، نجد أن ملفات النزاعات ما بين المكتري و صاحب العقار، تصل إلى ما يزيد عن 8000 ألاف ملف بالمحاكم، أما بالنسبة لقضايا الكراء في الرباط، فالمحاكم تتضمن ما يزيد عن 3000 ملف حول نزاعات هاذين الطرفين، و العديد من الأرقام الأخرى الكبيرة في جل مدن المملكة توضح جليا أن عملية الكراء في المغرب، دائما ما تشوبها نزاع ما بين الطرفين المالك و المستفيد من الكراء، حيث أن هذه المشاكل الكثيرة أصبحت تدفع العديد من الملاك إلى التخلي عن متابعة قضاياها ضد المكترين وغض الطرف عن المطالبة بمستحقاتهم الكرائية، أمام تعقد وبطيء مسطرة الإفراغ و الأداء، فبسبب هاته المنازعات التي أضحت تدفع جل ملاكي العقارات إلى ترك شققهم فارغة الأن، حيث أنهم أصبحوا يفضلون ترك الشقق فارغة على أن يصارعوا في المحاكم حول ضياع واجبات الكراء، أو الإبتزاز أو التملص الممارس من طرف المكتري سيء النية .
في هذا الإطار، أفادت مؤسسة “أورومونيتور” الدولية في إحدى دراستها الأخيرة، على أن المغرب سيشهد انخفاضا متوقعا في قطاع الإيجار بالمملكة خلال الأعوام القادمة، والذي سيوازيه تطور في المشتريات بالنسبة للقروض الرهنية بأكثر من 107 في المائة، حيث ستصعد إلى 304 آلاف في أفق سنة 2021، وتشكل، بالتالي، 4.6 في المائة من مجموع المساكن المملوكة في المغرب، و من أجل إنقاذ قطاع الكراء من التدهور الذي عليه، فمشروع القانون الجديد المنظم للعلاقة التعاقدية بين الملاك و المكترين، يسعى إلى إعطاء نسق آخر لهاذه العلاقة التعاقدية بين الطرفين و تقوية صلة الثقة بينهم، عن طريق إعطاء كل ذي حق حقه، و إلزام كل طرف بالقيام بواجباته المنصوص عليها في القانون من خلال التعديلات التي طرأت عليه.
قانون تنظيم الكراء الجديد للمحلات التجارية
يعد ظهير 24 ماي 1955، الذي عمَر على ما يزيد من واحد وستين سنة، قبل نزول قانون 16 – 49، الذي سجل في سنة 2007، ولم يرى النور إلى غاية نهاية سنة 2016، حيث أنه بعد ما يزيد عن ثماني سنوات من الدراسة والنقاش بين الجهات المعنية بالتشريع، تم إطلاق قانون 16 – 49 المتعلق بكراء العقارات التجارية.
القانون الجديد يسعى حسب أهل الاختصاص إلى تنظيم العلاقة القائمة بين المكري و المكتري، بصورة تتضمن الحماية و التوازن لجميع الأطراف المعنية و تجاوز عيوب النص القانوني القديم الذي صمد منذ سنة 1955، كما يسعى القانون الجديد إلى الإجابة على الإشكاليات العملية المطروحة على القضاء، حيث أن الإيجابي في القانون الجديد هو فرض الكتابة سواء بالنسبة للعقد المبرم بين الطرفين، أو تفويت حق في الكراء، بالإضافة إلى الممارسات التي كانت تهم بيع ” الساروت” و التي أضحت الأن مقننة بشكل واضح، و ممارسة أخرى لشراء المدة، حيث أنه دون قضاء المدة في الكراء يمكن الاستفادة مقابل أداء ثمن بشكل مسبق، كما أضحى القانون يشجع على شكل من أشكال الشفافية، حيث أنه في حالة التعويض على الإفراغ أو هدم المحل، أصبح القانون يعتمد على التصريحات الضريبية، حيث من شأنه أن يشجع هؤلاء المكترين للمحلات التجارية على التصريح الحقيقي بالدخل، كما أن القانون لم يخلوا من الشوائب، حيث أنه يطرح إشكاليات جديدة حسب رجال القانون، فعلى سبيل المثال المحلات التجارية التي تهم المستشفيات و المدارس، ففي حالة الإفراغ و الهدم، فمن الممكن أن تتضرر هذه الفئات التي من الواجب حمايتها بشكل خاص.
و من بين أهم الضمانات التي أتى بها القانون الجديد المنظم للكراء بالنسبة للمحلات التجارية، تطرقه إلى حيثية المحلات التجارية المكترية المغلقة، و التي لا يستفيد منها لا صاحب الملك و لا المكتري، حيث أن المكتري في هذه الحالة يطلب من صاحب الملك تعويضات مادية كبيرة، تجعل منه أمام عجز عن الإستفادة من الدخل على ملكه، ناهيك على أن المحلات التجارية خصوصا التي تقع في أحياء راقية أو في شوارع تشهد نشاطا تجاريا متواصلا، تشكل عائقا أما جمالية المنطقة، مما جعل من القانون الجديد يطرح في المادة 8 منه، و التي أتت بسبع حالات يمكن للمُكري عن طريقه من استرجاع محله المكترَى، دون أن يمنح تعويضا للمستفيد من المحل عن طريق كرائه، و من بينها الحالة السابعة في الفصل 7، إذا فقد الأصل التجاري عنصر الزبناء و السمعة الجيدة، بالإضافة إلى المادة 32 التي أفادت أنه المحلات التجارية التي تظل مغلقة لمدة تزيد عن 6 أشهر، أمكن على المالك أن يراجع رئيس المحكمة التجارية، و أن يستصدر منه قرار إعادة فتح المحل و استرجاع حيازته.
المشرع حرص من خلال القانون رقم 16 – 49، طرح العديد من التعديلات التي تخدم مصالح الطرفين، حيث سعى إلى تنظيم العلاقة القائمة بين المالك والمستفيد من الكراء بخصوص العقارات والمحلات التي تعمل في النشاطات التجارية أو الصناعية أو الحرفية بصورة تضمن التوازن والحماية في الحقوق والمقتضيات القانونية لفائدة الأطراف المعنية، كما سهت بشكل جلي إلى تجاوز مشاكل النص المنسوخ، كما وفرت إجابات على الإشكاليات العملية المطروحة على القضاء، في حين يظل المحك الحقيقي لهذا القانون هو كيفية تنزيله على أرض الواقع بطريقة منهجية و سلسلة، واستكمال أوجه الفراغ أو النقص فيها